تعتبر قضية عمل المرأة من أبرز القضايا التي تواجه المجتمع العربي بكافة توجهاته، و كثيرا ما تعقد الندوات و الورش المختلفة التي تتناول هذه القضية و التي غالبا ما تخلص إلى نتيجة واحدة تؤيد عمل المرأة على أساس أنها نصف المجتمع.
لا ينكر أحد أن المرأة تشكل نصف المجتمع ، و أن لها دورا رياديا لا يمكن تجاهله ، و لكن كثيرا من الناس من يخطئ فهم ذلك المعيار الذي صنفت المرأة على أساسه ، و أنها لا بد أن تشارك الرجل في كل شيء انطلاقا من مبدأ المساواة بين الرجل و المرأة، و إنها لفرصة مناسبة لتناول هذه القضية بكافة أبعادها بوضعها في دائرة الضوء و تحليل الآراء التي تحدثت عن هذه القضية و التي تنظر إلى قضية عمل المرأة من منظور اجتماعي و اقتصادي و نفعي و تربوي و ديني!!
من المعروف أن مجتمعنا الفلسطيني كأحد المجتمعات الشرقية التي ما زال يحكمها ما يسمى بالعادات و التقاليد يتعامل مع المرأة بطريقة تختلف كثيرا عن تلك الحاصلة في المجتمعات الغربية،فالمرأة ما زالت تعاني من ضياع حقها في المشاركة في صنع القرار ، و وجود الكثير من العوائق التي تحول بينها و بين انخراطها في إطار العمل بكافة أشكاله ، فضلا عن الأثر الذي خلفته السبع سنوات من النضال الشعبي في مواجهة الاحتلال ، و ما فرضته من قيود صارمة على المرأة و على خروجها من البيت ، و الذي بدأ أثره يتلاشى تدريجيا منذ تولي السلطة مهامها و ما تبع ذلك من انفتاحات اجتماعية و ثقافية..
إن عمل المرأة ليس بمنتقد ما دام يستوفي عدة شروط تتمشى مع المصلحة العامة و لا تقوم على أنقاض شيء آخر ، و من أهم هذه الشروط ألا يتعارض عملها مع واجباتها نحو بيتها و زوجها و أطفالها ، حيث أنه كثيرا ما تجد المرأة تدافع عن نفسها إذا ما طرح هذا الموضوع ، و تعد إجابات مسبقة و مدروسة بأنها توفق بين عملها و بيتها على افتراض أن عملها يبدأ من الثامنة صباحا و ينتهي في الثانية ظهرا و هو نفس الموعد الذي يكون فيه الزوج في عمله و الأطفال في مدارسهم هذا إذا كانوا قد اجتازوا الخامسة من عمرهم ، و إلا فإنها ستضطر إلى إدخالهم رياض الأطفال أو ما شابه ، مما يعني إبعادهم عن جو الحنان و الاهتمام الذي لا يتوافر إلا عندها، و لذلك نجد كثيرا من الأطفال يتعلقون بمربياتهم أكثر بكثير من تعلقهم بأمهاتهم ، مما يكون له العامل الأكبر لاحقا في ارتفاع احتمالات التفكك الأسري التي تمتد لتلحق الضعف بالمجتمع بأسره.
كما أن المتأمل يجد أن معظم النساء الناجحات في عملهن غير متزوجات ، و إذا كُنَّ متزوجات فلا بد أن يكون هناك خلل ما في تربية الأبناء و عدم تمتعهم بحقوقهم الكاملة من رعاية و اهتمام و حنان!! و لعل غير المتزوجات يجدن في ذلك الدافع الأكبر لكي يتفرغن لعملهن و ينفدن فيه كل طاقاتهن دون الحاجة لتوفير و لو القليل من الجهد للقيام بالواجب نحو زوج و أطفال…
من ناحية أخرى و تبعا لطبيعة كل من الرجل و المرأة فإننا نجد الزوج له قدرة أكبر على خوض مشاق العمل ، و قلة التذمر من المتاعب التي تواجهه ، و قدرته على الاحتكاك الفاعل بين العملاء بخلاف المرأة ذات الطبيعة الناعمة و التي قد تجلس تداعب أزرار الكومبيوتر و تشعر بتعب يماثل ما يشعر به عامل بناء أثناء عمله، كما أن حياءها الفطري قد يمنعها من أداء عملية الاتصال الصحيحة مع العملاء و الذين عادة ما يكونون من الجنس الآخر!!
و قد يكون العمل أحوج ما يكون إلى المرأة في بعض الميادين مثل التمريض و التعليم و بعض تخصصات الطب و ما شابه من الأعمال التي تناسب طبيعة المرأة و احتياجات المجتمع المنبثقة عن عاداته و تقاليده، حيث يفضل عادة أن تلتحق الفتيات بالمدارس التي تكون هيئتها التدريسية مكونة من الإناث ، و ذلك لمعرفتهن بأحوال الفتيات و احتياجاتهن ، و أقدر على التعامل معهن ، حيث لا يكون هناك حواجز ما بين الفتاة و معلمتها مما يسهل من عملية التلقي و التفاعل فيما بينهما….
كما أننا إذا أردنا أن ننظر إلى عمل المرأة من منظور ديني ، فإننا نجد أن الشريعة الإسلامية وضعت حدودا لعمل المرأة بما يتماشى مع حفظ كرامتها و لا يتعارض مع طبيعتها الأنثوية ، و أنكر العمل الذي يكون فيه الاتصال مع العملاء الذكور بصورة مباشرة و دائمة، و كان صريحا في تحديد طبيعة الأعمال التي من الممكن للمرأة أن تمارسها دون امتهان لكرامتها ، ووضع شروطا واضحة لها لا داع لسردها كونها معروفة للجميع…
أريد فقط في النهاية أن أوضح وجهة نظري الشخصية بأن مجتمعنا ليس مجتمعا ذكوريا لأنه يقوم أساسا على التكاملية بين الرجل و المرأة ، و الرجل أحق بالعمل من المرأة لسبب بسيط و هو أنه في الأحوال العادية -ولا أتحدث هنا عن حالات استثنائية- عادة ما يكون هو الذي يعول الأسرة و بحاجة ماسة إلى العائد من العمل لسد احتياجات الأسرة المسئولة منه فقط و من ضمنها الزوجة..